الشمول المالي : تعريفه وأهميته وأهدافه
في عالمنا اليوم الذي يتسم بالتغيرات الاقتصادية المتسارعة، أصبح الحديث عن التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية محوراً أساسياً في النقاشات العالمية، وفي صميم هذه النقاشات يبرز مفهوم "الشمول المالي" كركيزة أساسية لتحقيق هذه الأهداف.
لم يعد الشمول المالي مجرد مبدأ نظري، بل أصبح ضرورة حتمية لضمان وصول كافة شرائح المجتمع، بما في ذلك الأفراد والمنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إلى مجموعة متنوعة من الخدمات المالية الميسورة التكلفة والملائمة لاحتياجاتهم.
خدمات الشمول المالي لا تقتصر على الحسابات المصرفية التقليدية، بل تمتد لتشمل خدمات الدفع والتحويل، والائتمان، والادخار، والتأمين، والمعاشات، وغيرها من الأدوات التي تتيح للأفراد إدارة أموالهم بفعالية، والاستثمار في مستقبلهم، وحماية أنفسهم من الصدمات المالية
فما هو الشمول المالي بالضبط؟ وما هي أهمية الشمول المالي وأهدافه الطموحة في بناء مجتمعات أكثر ازدهاراً واستقراراً؟
ماهو الشمول المالي ؟
يمكننا تعريف الشمول المالي على انه هو إتاحة كافة الخدمات المالية لكل فرد أو مؤسسة فى المجتمع بما يتناسب مع إحتياجاته، أو بمعنى أخر أن يتاح للأفراد والشركات إمكانية الوصول إلى منتجات وخدمات مالية متعدده، وبأسعارمناسبة تلبي إحتياجاتهم، ويتم تقديمها على نحو مسؤول ومستدام، ومن أمثلتها
• حسابات توفير
• حسابات جارية
• خدمات الدفع والتحويل
• التأمين
• التمويل والائتمان
• وغيرها من المنتجات والخدمات المالية المختلفة
![]() |
الشمول المالى : تعريفه وأهميته وأهدافه |
أهمية الشمول المالي
تتجلى أهمية الشمول المالي في عدة جوانب رئيسية:
1. مكافحة الفقر والحد من عدم المساواة
يعتبر الشمول المالي أداة قوية في "تقليل الفقر"، فمن خلال تمكين الأفراد من الوصول إلى الائتمان، يمكنهم بدء مشاريع صغيرة أو تطوير أعمالهم القائمة، مما يوفر لهم مصادر دخل مستدامة.
كما أن إمكانية الادخار تتيح لهم بناء شبكة أمان مالي لمواجهة الظروف الطارئة، في المقابل، يؤدي استبعاد شرائح واسعة من السكان من النظام المالي إلى تفاقم الفقر وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
2. تحفيز النمو الاقتصادي الشامل
يساهم "الشمول المالي" في "النمو الاقتصادي" من خلال زيادة المدخرات المحلية المتاحة للاستثمار، وتحفيز النشاط الاقتصادي في القطاعات المختلفة.
عندما يتمكن عدد أكبر من المنشآت الصغيرة والمتوسطة من الوصول إلى التمويل، فإنها تنمو وتخلق فرص عمل جديدة، مما يعزز الإنتاجية الكلية للاقتصاد، ويعتبر هذا النوع من النمو "نموًا شاملاً" لأنه لا يقتصر على فئة معينة، بل يشمل جميع فئات المجتمع.
3. تعزيز الاستقرار المالي والنظام المصرفي
يساهم دمج المزيد من الأفراد والشركات في النظام المالي الرسمي في "تعزيز الاستقرار المالي"، فكلما زاد حجم الأموال المتداولة عبر القنوات الرسمية، قلت مخاطر الاقتصاد غير الرسمي، وزادت شفافية المعاملات، مما يسهل على البنوك المركزية والحكومات مراقبة وتحليل التدفقات النقدية واتخاذ القرارات الاقتصادية السليمة، هذا التكامل يقلل من احتمالية حدوث أزمات مالية مفاجئة.
4. تمكين المرأة والفئات المهمشة
غالبًا ما تواجه النساء والفئات المهمشة (مثل الشباب، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، وسكان المناطق الريفية) تحديات أكبر في "الوصول للخدمات المالية".
يركز الشمول المالي على معالجة هذه الفجوات وتوفير فرص متكافئة للجميع، مما يعزز من دور المرأة في الاقتصاد ويزيد من مساهمة الفئات المهمشة في التنمية. هذا التمكين لا ينعكس فقط على المستوى الاقتصادي، بل يمتد ليشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية.
5. دعم ريادة الأعمال والابتكار
تعتبر "الوصول إلى التمويل" أحد أكبر العقبات أمام رواد الأعمال وأصحاب الأفكار المبتكرة حيث يوفر الشمول المالي حلولاً تمويلية مبتكرة مثل القروض متناهية الصغر، وخدمات الدفع الرقمية، مما يتيح للشركات الناشئة الحصول على رأس المال اللازم لبدء وتوسيع أعمالها، هذا الدعم لريادة الأعمال يغذي الابتكار ويخلق بيئة ديناميكية للاقتصاد.
بدون شمول مالي يعنى وجود عدد كبير من أفراد المجتمع ومؤسساته تعمل خارج القطاع المالي الرسمي مما يؤدى بالتبعية الى عدم تحسن وضع الإقتصاد، وذلك لأن جزء كبير منه سوف يكون فى الظل وفى القطاع غير الرسمي خارج نطاق البنوك.
أهداف الشمول المالي
يهدف الشمول المالي الى نشر الثقافة المالية فى المجتمع وخصوصا بين الشرائح المهمشة او التى لا تجد منتجات مالية رسمية تناسب احتياجاتها، مثل الفقراء ومحدودي الدخل وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والشباب وغيرهم.
الشمول المالي يحاول أن يصل لكل هذه الفئات من أجل إدماجهم فى القطاع المالي الرسمى لضمان نمو المجتمع والمساعدة فى دمغ النشاط الغير الرسمي مع النشاط الرسمي وأن يتم تداول الأموال فى القنوات الشرعية مما يؤدى خفض معدلات البطالة وتحقيق معدلات نمو إقتصادي جيدة وإنعكاس ذلك على إرتفاع مستوي المعيشة.
كيف نحقق الشمول المالي ؟
لكى تحقق أى دولة الشمول المالي فيجب أن تتعرف على موقفها الحالى من الخدمات المقدمة وهل هى كافية لجذب أفراد ومؤسسات المجنمع الى التعامل داخل الإطار الرسمى من عدمه.
ومن ثم يجب على الدولة تشجيع المؤسسات المالية على إبتكار أدوات مالية جديدة تناسب إحتياجات كافة أفراد المجتمع وعليها أن تهئ البنية التحتية اللازمة لإنجاح ذلك من شبكات إتصال لماكينات سحب نقدى (ATM)، وتهيئة مكاتب البريد وزيادة إنتشارها وكذلك تيسر كل السبل لتشجيع الأفراد على فتح حسابات بنكية دون أى رسوم، وخلافه.
والحقيقة أن هذا يحتاج الى تضافر جهود الدولة مع كافة المؤسسات المالية مصرفية وغير المصرفية للوصول لهدف تحقيق الشمول المالى والتأكد من حصول العميل على الخدمات والمنتجات المالية بكل سهولة وبتكلفة مناسبة فى إطار معاملة عادلة وشفافة، مع ضرورة التأكد من التالى:-
• تزويد العميل بكل المعلومات اللازمة في كل مراحل تعامله مع مقدمي الخدمات المالية .
• توفير خدمات إستشارية إذا إحتاج العميل.
• الاهتمام بشكاوي العملاء والتعامل معها بكل جدية وحيادية.
هل أثرت كورونا على مفهوم الشمول المالي؟
تأثير الرقمنة على الشمول المالي
الخاتمة
يمثل الشمول المالي أكثر من مجرد مصطلح اقتصادي، إنه استثمار في كرامة الإنسان وقدرته على تحقيق ذاته فعندما يتمكن كل فرد، بغض النظر عن موقعه الاجتماعي أو الاقتصادي، من الوصول إلى الأدوات المالية الأساسية، فإننا نبني مجتمعات أكثر قوة، وأكثر مرونة، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.
إن الرحلة نحو الشمول المالي الكامل هي رحلة مستمرة تتطلب التزامًا وجهدًا من كافة الأطراف، الحكومات بوضع السياسات الداعمة، والمؤسسات المالية بابتكار الحلول، والأفراد بتبني الثقافة المالية الرقمية.
مع استمرار الابتكار في الخدمات المالية واستغلال التكنولوجيا المالية بذكاء، يمكننا أن نتطلع إلى مستقبل حيث لا يتم استبعاد أحد من النظام المالي، وحيث يكون الوصول إلى الخدمات المالية حقًا متاحًا للجميع، مما يمهد الطريق لـ "نمو اقتصادي مستدام" ورفاهية مجتمعية شاملة للجميع.