تعويم الجنيه المصري وأثره على الإقتصاد
لا يخفى على الجميع أن عودة مصر لصندوق النقد الدولى وزيادة قيمة القرض من 3.9 مليار دولار الى مافوق 8 مليار دولار، يعنى بالتبعية الإمتثال لشروط صندوق النقد الدولى وأولها تعويم سعر الجنيه المصرى، ليصبح سعر مرن، ويتسال البعض هل حل مشاكل مصر كلها تتوقف على ضرورة تعويم الجنيه المصرى، أو قل تحريكه وإتباع سياسة تسعير مرنة، سوف نحاول فى هذه المقالة أثر تعويم الجنيه المصرى على الإقتصاد المصرى.
ماذا تعني العملة؟
العملة هى وسيلة لتبادل السلع والخدمات، وهى إما على شكل أوراق نقدية أو عملات معدنية تصدرها الحكومة بالقيمة الإسمية لها، وقد ظهرت العملات منذ مئات من السنين لتكون بديلا لعمليات المقايضة التى كانت تتم بين السلع والنتجات، لتصبح الوسيلة الأساسية لتبادل السلع والخدمات في عالمنا الحديث.
كيف يتم تحديد أسعار العملات؟
الحقيقة ان
تحديد سعر العملة يتوقف على عوامل كثيرة منها:-
معدلات الفائدة.
معدلات التضخم.
تدفقات رأس
المال.
عرض النقود.
العرض والطلب.
ويمثل العرض والطلب إحدى العوامل الأساسية والمحرك الرئيسى فى تحديد سعر العملة ، ويعنى هذا أن زيادة فى الطلب على عملة معينة، سوف يؤدى إلى إرتفاع قيمة هذه العملة، بينما يؤدي زيادة العرض إلى إنخفاض قيمة العملة.
فعلى سبيل المثال، إذا زاد طلب الأوروبيين على الدولار الأمريكي، فإن علاقة العرض والطلب ستؤدي إلى زيادة سعر الدولار الأمريكي بالنسبة إلى اليورو، والعكس صحيح، فإذا إرتفع العرض عن الطلب فإن العملة ستنخفض، ويمكن أن تؤدي هذه التذبذبات الشديدة على المدى القصير إلى تدخل البنوك المركزية خصوصا إذا شابت هذه التحركات بعض الشائعات والمضاربات.
وهناك عدد لا يحصى من التصريحات الجيوسياسية والاقتصادية التي تؤثر على أسعار الصرف بين البلدين وهى مؤثرة جدا على سعر الصرف أكثر من المتغيرات الأخرى من حيث أسعار الفائدة ومعدلات البطالة وتقارير التضخم وأرقام الناتج المحلي الإجمالي والدين العام والميزان التجارى والسياسات الحكومية وغيرها.
ولهذا السبب، ورغم أن معظم العملات العالمية الرئيسية عائمة، فقد تتدخل البنوك المركزية والحكومات إذا أصبحت عملة الدولة مرتفعة جدا أو منخفضة جدا.
ولا يخفى علينا جميعا الأثر الذى يمكن أن تحدثه العملة المرتفعة جدا أو المنخفضة جدا على إقتصاد الدولة بشكل سلبي، مما يؤثر على التجارة والإستثمار والقدرة على سداد الديون، ولذلك تجتهد الحكومات أو البنوك المركزية فى تنفيذ تدابير لنقل عملتها إلى سعر أكثر ملاءمة وأكثر إستقرارا.
هل استقرار العمله في الدولة أهم من قوة العملة؟
عادة ماتسعى الدول إلى إستقرار أسعار عملاتهم أكثر من جعلها قوية، لأنه نظريا العملة القوية تجعل صادرات الدولة أكثر تكلفة بالنسبة للخارج، مما يقلل من صادرات الدولة ويضر بالقدرة التنافسية التجارية لها، وعلى النقيض فإن ضعف قيمة العملة يجعل الواردات أكثر تكلفة مما يؤدي إلى زيادة التضخم المحلي، لكنه فى نفس الوقت يحدث طفرة فى صادرات الدولة إذ أن أسعار السلع والخدمات التى تنتجها الدولة تصبح ضعيفة القيمة بالمقارنة بالعملات الأخرى وتزيد من قدرة الدولة على التصدير وتحسين قدرتها التنافسية فى الأسواق الخارجية ، وعادة تفضل الدول إستقرار سعر عملتها وتجنب التقلبات الغير مناسبة.
طرق تحديد سعر صرف العملة
يتم تحديد أسعار
العملات بطريقتين رئيسيتين: سعر عائم أو سعر ثابت.
السعر الثابت للعملة
يتم تحديد سعر الصرف الثابت أو من خلال الحكومة ممثلة فى بنكها المركزي والذى يقرر السياسة النقدية للدولة، وعادة مايتم تحديد السعر مقابل عملة عالمية رئيسية أخرى (مثل الدولار الأمريكي أو اليورو أو الين أو خلافه).
وللحفاظ على سعر صرف العملة، ستقوم الحكومة بشراء وبيع عملتها مقابل العملة المربوطة بها، ومن الدول التي إختارت ربط عملاتها بالدولار الأمريكي الصين والمملكة العربية السعودية ومصر وغيرها من الدول.
يعيب على هذه الطريقة ان تثبيت سعر عملة محلية أمام سعر عملة عالمية كالدولار أو اليورو، مع أى تغير فى عوامل تسعير العملة والسابق توضيحها، يعنى ببساطة إضطراروقوف البنك المركزى لهذه الدولة لمساندة عملته المحلية من موارده الأجنبية وإن لم تكفى فإنه سيكون مضطرا للسحب من إحتياطاته، وما يسببه ذلك من مشاكل مالية لا تحصى.
سعر الصرف المرن للعملة
وهو المرادف لتعويم العملة، فسعر الصرف العائم هو السعر الذي يتم تحديده من خلال قوى العرض والطلب في السوق المفتوحة بالإضافة إلى العوامل الكلية الأخرى التى تم ذكرها من أسعار الفائدة والتضخم والدين العام وخلافه.
لا يعني مطلقا إتباع دولة لسعر صرف عائم لعملتها، أن الحكومات لا تحاول التدخل والتلاعب بسعر عملتها، حيث تحاول الحكومات والبنوك المركزية بانتظام إبقاء سعر عملتها مناسبًا للتجارة الدولية وذلك من خلال وضع حدود مناسبة لتحرك العملة خلاله.
أخبار تعويم الجنيه المصرى وأثاره على الإقتصاد
لو تكلمنا نظريا فإن للتعويم فوائد عدة أهمها، هو جعل الصادرات أقل تكلفة وأكثر قدرة تنافسية فى الأسواق الخارجية، وعليه تزداد قيمة الصادرات وتتضاعف ويحدث هذا فى كثير من الدول كتركيا مثلا والصين والتى تعمد كثيرا لخفض سعر عملتها نظرا لإمكانياتها الهائلة فى الإنتاج ورغبتها فى زيادة الصادرات، لكن مشكلة هذا الأثر الهام للتعويم أنه لا ينطبق علينا حيث أن كل صادراتنا بنهاية 2023 فى حدود 38 مليار دولار فى حين ان صادرات تركيا وصلت الى 255.81 مليار دولارعن نفس الفترة، ذلك أننا وبكل بساطة دولة مستهلكة وليست منتجة، فليس عندنا إنتاج من الأصل حتى نصدره، وعليه التعويم لن يفيدنا فى هذا الخصوص.
الفائدة الثانية للتعويم هو جذب المستثمر الأجنبى لأنه على الأقل يستطيع حساب مخاطر العملة فلو ان عملتك مقدرة باعلى من قيمتها وقام المستثمر بضخ عملات أجنبية على السعر السائد ثم تم تخفيض العملة بعد ذلك فسوف يعنى خسارة المستثمر لأرباحه وجزء من رأسماله فى حالة تحويل أمواله للخارج مرة أخرى وسأعطى مثال بسيط لمعرفة هذا الأثر .
مستثمر حول 100دولار للإستثمار فى مصر على سعر 18جم للدولار فسوف يكون معه 1800 جم وحقق عليها عائد 20% ليصبح إجمالى رأسماله 2160 جم ، ولو أراد المستثمر تحويل أمواله مره أخرى بالدولار والخروج من السوق فوجد السعر 30جم للدولار فسوف يحصل فى هذه الحالة على 72 دولار فقط وهو مايعنى له خسارة أرباحه وجزء من رأسماله.
وبالتالى عدم إستقرار سعر الجنيه أمام الدولار سيقضى على الإستثمار الأجنبى فى مصر، والحقيقة أن مشاكل الإستثمار كثيره ومتعدده ولا تتوقف فقط على سعر الصرف، وإنما على البيروقراطية فى إستخراج التصاريح وتكوين الشركات والقوانين البالية التى تسيطر علينا من الخمسينات، والفساد الذى يستشرى فى دواوين الحكومة، ومزاحمة الجيش والشرطة والدولة بأكملها للقطاع الخاص، وإرتفاع أسعار الخدمات وغيره، فالإستثمار بيئة متكاملة مالية وإقتصادية وتشريعية يجب أن تتوفر، وعليه أى تحريك للجنيه المصرى لن يؤتى ثماره فى ظل وجود هذه المعوقات.
الفائدة الثالثة للتعويم هو رفع سعر كل ماهو مستورد للدرجة التى لا تمكن بعض الأفراد من شراء السلع والمنتجات المستوردة، فيقل الطلب عليها لإرتفاع أسعارها، ونجنب الدولة نزيف الدولارات المهدرة فى السلع المستورده، حتى هذه الفائدة لن نستفيد منها لأننا دولة مستوردة نعيش على الإستيراد، حتى مايتم إنتاجه هو فى النهاية جزء كبير من مكوناته تأتى من الخارج مما سيؤدى الى شح المنتجات وإرتفاع أسعارها بصورة خيالية طالما لا يوجد البديل المحلى، وهو ماسنعكس فى النهاية على إرتفاع معدلات التضخم.
من خلال ماسبق ذكره فإن التعويم يفيدنا فى حالة واحدة وهى قدرة الإنتاج المحلى فى تعويض نقص المنتج المستورد وهذا غير وارد، وقدرة البنك المركزى على تلبية إحتياج الأفراد والشركات للدولار فهل توجد إحتياطات كافية لذلك؟ الإجابة قولا واحدا لا.
قد يسألنى البعض ومالفائدة إذن من تعويم الجنيه المصرى وإتباع سياسة سعر مرن للعملة، أجيب أنه وفقا لما أرى فقط من أجل إرضاء صندوق النقد الدولى، والحصول على القرض، لأن بدونه لن نستطيع سداد إلتزاماتنا خلال العام المالى 2024 والذى تتخطى ال 40 مليار دولار.